ما هي جهنم وكيف يؤدي عدم توافقنا مع الجنة إلى خلق جهنم؟

ما هي جهنم وكيف يؤدي عدم توافقنا مع الجنة إلى خلق جهنم؟

ما هي جهنم؟ هل جهنم هي غياب الجنة؟

ما هي جهنم وكيف هو هيكلها؟ لنبدأ الحديث عن جهنم بمثال يمكن أن يقربنا من فهم هيكلها ومفهوم ماهيتها. لا يوجد لأي منّا ذكرى جيدة بالمرض، ولكن ربما كانت إحدى أكثر الذكريات المرّة في طفولتنا تتعلق بلحظة اجتماع الأسرة و استمتاعهم بتناول الطعام المفضل لدينا على سبيل المثال ونحن نحرم من جميع ذلك بسبب المرض أو فترة الشفاء. الشعور الذي يجربه الشخص في هذه اللحظات هو شعور رقيق من الأسف والعذاب الناجم عن العجز. قد تكون هذه أول تجربة جديّة لنا لتذوق حسرة الحرمان من لذة نألفها.

قد أثار هذا المثال شرارة في ذهنك، ولكن الإجابة على سؤال ماهية جهنم لها صلة وثيقة بمفهوم الولادة. لقد تعرفنا في المقالات السابقة على أنواع مختلفة من الولادة، و فهمنا أن جميع الولادات لا تنتهي بنهاية متساوية. بالإضافة إلى أننا يمكن أن نولد بصحة جيدة ونستفيد من مزايا ونعم الدنيا طوال حياتنا، إلا أنه يمكن لولادة ناقصة أو ضعيفة أو مريضة أن تجلب لنا عمرًا من التعاسة والمشقة.

في هذه الظروف، لا يمكننا أن نحكم على الدنيا ونلومها على الحالة التي نحن فيها. الدنيا توفر إمكانياتها مجانًا للجميع، ونحن من حرم أنفسنا من هذه الإمكانات والمتع الذي تقدمها. إن الدنيا لا تحجب نعمها وجمالها عن أحد، ولكن كل شخص له قدرة مختلفة على الاستفادة منها بناءً على مدى تناغمه مع الظروف الحياتية في الدنيا.

الحالة  نفسها تحدث أيضًا في ولادتنا إلى الآخرة، بالاستناد إلى العلاقة بين رحم الأم والدنيا والدنيا والآخرة، يمكننا أن نفهم ماهية جهنم. تخيل أنك ذهبت مع أصدقائك إلى حديقة مائية ترفيهية. ترى القوارب والأنفاق المائية والألعاب المثيرة والمتنوعة فيها، ولكن بسبب كسر يدك، لا يمكنك استخدام أيا من هذه الوسائل. ترى أصدقائك يذهبون بحماس من هنا إلى هناك، وأنت تتحسّرعلى المتعة التي حرمت منها. ليس أصدقاؤك هم من سببوا هذه الحالة، ولا المسؤولون في الحديقة الذين فرضوا قيودًا عليك؛ بل إن كسر يدك، بل أنت من حرم نفسك من هذه المتع.

مستشفى باسم جهنم

ولادتنا إلى الآخرة تشترك في ظروف مماثلة. نحن جميعًا بغض النظر عن الحالة وظروفنا الحياتية، نموت وندخل عالم الآخرة في النهاية. بالطبع، ما نتمناه هو أن ندخل في ظروف حياتية مثالية في الآخرة أو الجنة. ولكن الحقيقة هي أننا لا نملك جميعا القدرة ذاتها على التواصل مع ظروف الحياة في الآخرة والاستفادة من إمكاناتها ونعمها وعجائبها بناءً على نوع ولادتنا.

بالتأكيد، فإن ظروف الشخص الذي يولد في الآخرة بصحة جيدة أو قوة جيدة لا تتساوى مع ظروف الشخص الذي يولد في الآخرة بشكل ناقص أو ضعيف أو مريض. الاستفادة من ظروف ومتع الآخرة تعتمد تمامًا على الهيكل الوجودي الذي نحمله معنا. بطبيعة الحال، إذا ولدنا بصحة جيدة، يمكننا الاستفادة من الإمكانات والنعم المتاحة في ظروف الحياة في الآخرة بدون الحاجة إلى الخضوع لعلاج أو الذهاب إلى المستشفى. ولكن في حالة الإصابة بمرض، يجب أن نتلقى العلاج أولاً حتى نتمكن من الاستفادة من تلك الإمكانات.

بالنسبة لسؤال ماهية جهنم، يجب أن نقول أن جهنم هي عدم التوافق مع ظروف الحياة في الآخرة، وهي تحمل معاناة العلاج في مستشفى الآخرة. ليس للآخرة أي تدخل في عدم التوافق مع ظروف الحياة في الآخرة، بل ما يفرض علينا المعاناة هو عدم التوافق في بنيتنا الوجودية مع ظروف الحياة في الآخرة. مثل الرضيع الذي لم يأتِ سميعا إلى هذه الدنيا و يعاني بسبب الصمم، هذه المعاناة ليست ناتجة عن الدنيا، بل إنها تنشأ بسبب عدم التوافق في هيكل وجوده مع ظروف الحياة في الدنيا.

وفقًا للمقال السابق، فإن معنى هذا القول هو أن جهنم هي مستشفى الآخرة، وأن الأشخاص الذين يولدون ضعفاء أو مرضى ولا يمتلكون القدرة على الحصول على حياة سليمة وفعالة في الآخرة بسبب حالتهم، يضطرون لأخذ العلاج في هذه المستشفى لكي يصبحوا جاهزين للاستفادة من ظروف الآخرة.

ليس من السهل تحمل الألم والمعاناة الناجمة عن عدم التوافق مع ظروف الآخرة. قد يكون لدينا فهم أكثر واقعية لهذا الألم إذا كانت لدينا تجربة رؤية شخص يذهب إلى أخصائي لإعادة يده أو قدمه إلى وضعها الطبيعي. بالإضافة إلى ذلك، الشخص الذي هو في جهنم يواجه أيضًا ضغوطا نفسية وحسرة لأنه تسبب في حرمان نفسه من كل متع الآخرة، لأن النظام الوجودي هو بمثابة عذاب ونقص ومرض يمكن أن يصاحبنا حتى عندما لا نكون جاهزين له.

الآخرة؛ مكان لكشف نقاط الضعف والعيوب

إن جهنم في الحقيقة هي نتيجة ضعفنا ومرضنا وعجزنا في نظام البرزخ وعالم الآخرة. طالما أننا في الدنيا، لم ندرك ضعفنا ونقائص الأدوات التي نحتاجها في ظروف الحياة الآخرة، فسوف ينتهي بنا المطاف في جهنم. إلا إذا قمنا بقياس أنفسنا بالمعايير المعطاة.

مثل المتسلق الجبلي الذي ما لم يصعد إلى أعالي الجبال، فإنه لن يدرك نقص الأكسجين وبالطبع لن يروج لحاجته إلى ذلك، ولكن فور وصوله إلى الارتفاع يواجه علامات نقص الأكسجين ويعاني من ضيق التنفس والصداع وتسارع ضربات القلب والدوخة وما إلى ذلك.

نظرًا لأن الدنيا هي مجال للبناء، فإنها لا تكشف لنا عن نقائصنا، ولكن فور انتقالنا إلى عالم الآخرة، سندخل بيئة المحاسبة وسندرك ما هي جهنم، مثل الجنين الذي لم يكن على علم بالعيوب الموجودة في أعضائه في بيئة الرحم قبل دخوله الدنيا، ودخوله إلى الآخرة سيكون بداية حسابنا لكل أجهزة جسدنا التي نحتاجها في ظروف الحياة الآخرة، وعدم وجود أي منها يعني لنا الألم والعذاب وجهنم.

في الحقيقة، إن الظروف التي نواجهها عند دخولنا إلى الآخرة تشبه تمامًا الظروف التي يواجهها الجنين عند دخوله إلى الدنيا. يتم حساب كل جزء من أجزاء جسم الجنين بشكل منفصل عند دخوله إلى الدنيا، وإذا لم يكن أي جزء منه سليمًا، فسوف يعاني من ألم ومشكلة منفصلة. بنفس الطريقة، يجب أن نكون جاهزين لجميع العيوب والضعف التي سندخل بها  إلى الآخرة. إذا نلاحظ بعناية، حتى إذا كان الجنين يتمتع بصحة جيدة بنسبة 99٪ وكانت أجزاء جسمه سليمة، فإن النقص الواحد في الدنيا سيظهر في اللحظة نفسها ويتضح حتى عدم وجود أي إنزيم صغير، أو أي اضطراب طفيف في جهاز التنفس أو الهضم، أو أي ضرر صغير في الدماغ أو القلب، أيا كان سيتم عرضه فور دخوله إلى الدنيا و يتسبب في معاناته. حتى في الحياة اليومية، يظهر جسمنا رد فعلًا مؤلمًا تجاه أدنى اضطرابات. لذا فمن الطبيعي أن أي عدم توافق لنا مع ظروف الحياة الآخرة سيظهر نفسه على شكل ألم ومعاناة وحرقة في جهنم. هنا ندرك حقيقة ماهية جهنم.

في هذه المقالة، قمنا بدراسة جهنم بنيويًا وأشرنا إلى ماهيتها. أشرنا إلى أن جهنم تعتبر مستشفى للذين لم يكن لديهم صحة أو قوة جيدة منذ ولادتهم في الآخرة وفي الواقع، تنشأ آلامنا ومعاناتنا في جهنم بسبب عدم التوافق مع ظروف الحياة الآخرة، بالإضافة إلى عدم امكانية الاستفادة من المتع والإمكانيات المتاحة في الآخرة، سوف تكون جميعا سببًا لمعاناتنا وعذابنا في الآخرة.

كيف ترى جهنم؟ هل تعتبرها أيضًا مستشفى للتحسين والتوافق مع ظروف الحياة الآخرة؟ شاركنا آراءك في هذا الصدد.

اكتب رأيك