ما هو ميزان تقييم الأعمال في الآخرة؟
نحن جميعًا نعاني من الفوضى والعيش في بيئات مضطربة، وقد نكون متطلبين جدًا حتى لأتفه الأمور باتخاذ معايير وقياسات نحاول تطبيقها على حياتنا. على سبيل المثال، عندما نحدد كمية الملح أو التوابل في الطعام، نأخذ في اعتبارنا ذوقنا وصحتنا، وهذه من المعايير التي يجب مراعاتها. أو عندما نختار ملابسنا، نأخذ في اعتبارنا الحجم، والجمال، وكيفية ارتدائها، وتوافقها مع معايير المجتمع. لا نذهب إلى أي حفلة كانت، ولا نختار أي شخص كان للصداقة، ولا نستمع إلى أي نوع كان من الموسيقى. في الواقع فإنه في كل شيء نقوم به، من الأمور الصغيرة إلى الكبيرة، يتم قياس أفعالنا باستخدام مجموعة من المعايير والمقاييس التي نعتمد عليها للتحكم في الظروف وضمان التوافق مع أفكارنا الخاصة.
عادةً ما نواجه جزئين أساسيين عند تقييم أي شيء. أولاً، الشيء الذي يتم تقييمه، وثانياً، المعيار والقاعدة التي نقيس بها الموضوع المراد قياسه. تعتبر هذه المعايير والقياسات مؤشرات وأدوات لفحص والتحكم في هذا التناغم، كما أنها تحدد المقياس أو المعيار لمدى تناغمنا مع ذلك.
ولكن، ما هو ميزان تقييم أفعالنا؟ عندما نستخدم معايير ومقاييس حتى لأعمالنا الصغيرة، فإننا لا نتوقع أن تكون الأعمال التي تشكل حياتنا الأبدية غير منظمة وعشوائية. وبالتأكيد فقد تم وضع معيار وميزان لتقييمها. لا يوجد لدينا نية في هذا المقال لاستكشاف أنواع الميزان وعلاقتها بالأمور الأخرى، ولكن في الوقت الحالي، يكفي أن نعرف أن ميزان تقييم أفعالنا هو “الحق“، والتوافق معه يعتبر المعيار الذي يتم تطبيقه على أفعالنا والذي سنستمر في استكشافه بشكل أكثر تفصيلاً في المقالات القادمة. في هذه المقالة، من المهم أن نفهم ماهية الميزان والعلاقة التي نمتلكها معه ببساطة. إنّ الميزان هو ما یتم استخدامه لتقييم أنفسنا، حيث يظهر مدى تناغمنا وتكاملنا مع المعيار الذي وُضع لنا، الصدق والكذب في أفعالنا أو الصحة والخطأ فيها، ودرجة السلامة أو الإصابة، وضعفنا ونقصنا، يتم قياسها جميعها من خلال ميزان تقييم الأعمال. والذي سنستمر في قياسه بشكل أكثر تفصيلاً في المقالات القادمة.
ليس الميزان خارجاً عن وجودنا
تخيل أنك ذهبت لالتقاط صورة في استوديو فوتوغرافي. هل انتبهت إلى العيوب في الصورة عندما شاهدتها؟ هل كان من الضروري أن يخبرك أحد أنك قد غمزت أثناء التصوير أو أنك لم تلتفت نحو الكاميرا؟ لا، في الحقيقة فإن الصورة وحدها لغة بذاتها وتعكس كل التفاصيل، وبكلمة أخرى، “طَرْفُ الفَتی یُخبرُ عن جَنانه”. أو تخيل أن سيارتك، أثناء سيرك في خط مستقيم، لا تلتزم بالاتجاه الصحيح بشكل مستمر، ولا تتوهج، أو تصدر دخانًا كثيفًا منها. هل كان من الضروري أن يخبرك أحد بأن سيارتك تواجه مشكلة، أم أن هذه الحوادث ذاتها تكون إشارة عن وجود عيب؟
يتواجد ميزان تقييم أعمال كل شخص، داخل وجوده وليس خارجه. لقد أعلن جسدنا عند ولادتنا إلى هذه الدنيا عن حدة تناغمه وتوافقه مع شروط الحياة هنا. يتم مقارنة وضعنا بأفضل حالة يمكن لأعضائنا أن تكون فيها في ظروف الحياة الدنيوية، وبالفعل فإننا نحدد مدى توافقنا مع الدنيا بناءً على ما نحمله معنا.
وبالطبع، فإن وجود أي مشكلة مثل رئتين غير ناضجتين، أو أطراف زائدة أو ناقصة، أو جمجمة كبيرة، أو حتى إنزيمات غير مكتملة الشكل، كل ذلك قد يحدد مدى عدم توافقنا مع ظروف الحياة في هذه الدنيا. بنفس الطريقة وفيما يتعلق بالآخرة، يعد ميزان تقييم أعمالنا مجرد وجودنا الداخلي، وعندما ندخل إلى الحياة الأخروية، سندرك توافقنا أو عدم توافقنا مع ظروف البيئة هناك.
إن ميزان تقييم أعمالنا كالمرآة، يعكس مدى تناغمنا مع البيئة التي قد دخلنا إليها. الحسد، والكراهية، والغضب، والإزعاج، والبخل، وغيرها، جميعا تفقد أي تناغم مع امتلاك قلب سليم، وبمجرد دخولنا إلى الحياة الأخروية يظهر عدم انسجامها مع تلك البيئة. تمامًا كما يعكس تناول طعام فاسد أو تناول الخضروات والفواكه تأثيره على مظهرنا وحالتنا الصحية، فإن الأخلاق والصفات السيئة تترك تأثيرها على قلوبنا وروحنا. في الواقع فإننا لا نحتاج إلى عامل خارجي ليرشدنا إلى حالتنا النفسية، إذ نحن أنفسنا شهود على حالتنا وعلى المعاني التي قد حملناها معنا والأثر الذي خلفته في بنية وجودنا.
قمنا في هذا المقال بفحص مفهوم “الميزان“، و تبين لنا أن الميزان يمثل نسبة تناغمنا مع المعيار أو المقياس. تماما كما ندرك تناغمنا أو عدم تناغمنا مع ظروف الحياة في هذه الدنيا عند دخولنا إليها، فإن توافقنا أو عدمه مع ظروف الحياة في الآخرة يظهر فور دخولنا إلى الآخرة. ورغم أنّ المعيار والقياس المستخدمين لتقييمنا هما عاملان خارجيان عن وجودنا، ولكن الميزان، كوسيلة لتقييم أفعالنا، ليس شيئًا خارجًا عن وجودنا سواء عند دخولنا إلى هذا العالم أو عند دخولنا إلى الآخرة. نحن على علم تام بحالتنا ولا حاجة لعامل خارجي لفهم تناغمنا مع المعايير والمقاييس الجديدة في البيئة الجديدة.
كيف ترى أهمية الحساب والميزان؟ هل ترى أنه من الضروري حساب أفعالك قبل دخول عالم الآخرة؟ نحن ننتظر بفارغ الصبر آراءكم حول هذا الموضوع.