لا أحد منا يتذكر مرحلة ما قبل ولادته في رحم أمه ولا يوجد أحد في أي مكان في العالم يعتبر الأشهر التسعة التي قضاها في الرحم جزءًا من حياته وإنّما معيار كل إنسان في حساب أيام حياته هو منذ يوم ولادته إلى الدنيا. لكن قصة خلق الإنسان لها حقيقة أخرى، وهي أن جهوده كافة طوال العمر، لم تكن أعظم مما كانت عليه خلال حياته في بطن أمه. إن الجنين في بطن الأم لا يتوقف عن الصيرورة والتطور ولو للحظة واحدة، ويكتمل وجوده مستمرا، ولكن ما الهدف من كل هذا الجهد في الفصل الأول من قصة خلقنا؟
ما الهدف من تشكيل الأعضاء الحيوية كالعيون والأذنين واليدين والقدمين والقلب والرئتين خلال الفترة الجنينية؟ بينما من أجل حياة مريحة في الرحم لا حاجة إلى أي من هذه الأعضاء فحسب، بل مع التنظيم والاستمرار في النمو اليومي، تجعل هذه الأعضاء مكاننا في الرحم أكثر ضيقا؟
في الفصل الأول من قصة الخلق، أي المرحلة الجنينية، نحن البشر سكان هادئون في بيئة رحم الأم الضيق والمظلم والمحدود، ولا يمكن أبدًا أن يكون لدينا فهم صحيح للعالم وما ينتظرنا فيه، ولكن كل تصرفاتنا في الرحم، تدل على استعدادنا للحياة بعد الولادة.
يعتبر الإنسان في هذا الفصل من قصة الخلق، كائن مستسلم على الإطلاق. إنه خاضع تمامًا للخطة والإرادة التي قد شكلته في الرحم، مع الإمکانیات التي وفرها له والدیه، وأعدته أخيرًا للحياة في الدنيا. لو لم نكن مدركين بوجود عالم خارجي محيط برحم الأم، والذي هو أكبر وأجمل بلاحدود و أكثر في لامحدوديته من بيئة الرحم، فإننا سنعتبر كل جهود الجنين لصنع الأعضاء الجسمية عقيمة وغير مثمرة. لأن الحياة الدنيا للجنين الذي في بطن أمه تكون بمثابة عالم الغيب، كما أن أهل الدنيا يعتبرون الآخرة غيبا.
سنتعرف في هذا الدرس على تفاصيل أكثر منذ “بداية قصة الخلق إلى المنعطف الأخير في مسار الحركة الإنسانية”. ماذا كان في البداية؟ ما هو أول خلق الله؟ ماذا یجری قبل هذا العالم وفي هذا العالم وبعده؟ أين موقفنا الحالي في هذا المسار وكيف هي علاقتنا بالعالم وقصة الخلق؟
تم تمييز مقالات هذا الدرس باللون…. وتنقسم فصوله إلى “المخلوق الأول” و”الميثاق الخلق” و”قبل الدنيا”، و”الدنيا”، و”بعد الدنيا”.
تعتبر مدرسة علم الإنسان بيئة خصبة لطرح أسئلة كبرى حول وجود الإنسان ومعناه. إن التساؤلات التي لا تزال دون إجابة حول طبيعتنا وعلاقتنا بالكون قد تساهم في شعور الإنسان بالقلق والحزن والخوف من الحياة. فغياب المعرفة الشاملة عن أنفسنا والعالم من حولنا قد يجعلنا نشعر بالوحدة والتيه، مما يعيق سعينا نحو الحب والهدوء النفسي والسعادة المستدامة.