ما هي صعوبات الفترة الرحمية؟
قد يتساءل البعض عن سبب الضغوط التي نواجهها في الحياة، هل من المفيد لنا أن نتحمل هذه الضغوط؟ لقد شرحنا في المقالات السابقة أن جزءًا من الضغوط التي نواجهها في الدنيا تشبه إلى حد كبير تلك التي واجهناها في الفترة الرحمية. في هذا المقال سوف نشرح الأسباب التي تحملنا لتحمل الضغوط والصعوبات في الفترة الرحمية وكيف تؤدي هذه الصعوبات في النهاية إلى تغيير ظروفنا في الدنيا.
هذه الأسئلة لا يُجاب عليها إلا من خلال فحص حياة الجنين داخل الرحم وعلاقته بالبيئة المحيطة به. تخيل والدان ينتظران ولادة طفلهما ويقومان بفحص حالة الجنين الصحية في الرحم باستمرار من خلال إجراء مختلف الاختبارات والتصوير بالموجات فوق الصوتية ومراقبة حركات الجنين لقياس صحته في رحم الأم. بالنسبة لأولئك الذين يراقبون الجنين من الخارج، فإن حالة الجنين ليست إلا في حالتين؛ إما أنه سليم ويتطور وفقًا لبرنامجه المحدد بشكل سليم، أو أنه غير سليم. ومع ذلك، فإن الجنين في العديد من الحالات، يمكنه الاستمتاع بحياة رائعة وخالية من المشاكل في الرحم، لأن عدم السلامة يتم تعريفه عادة ما فيما يتعلق بالاعضاء التي يحتاجها في الدنيا. على سبيل المثال، بالنسبة للجنين في الرحم، لا يهمه إذا كان لديه يد واحدة أو يدين، ربما قد يتحرك بحرية أكبر مع يد واحدة في الفضاء الرحمي. ولكن عندما يولد ويواجه ظروف ومعايير الدنيا، يدرك مدى المصيبة التي حلّت به. كما أنه لا يتردد الأب والأم اللذان يراقبان سلامة الجنين من الخارج، في بذل أقصى جهدهم لعلاج وليدهم الذي لم يولد بعد. إن رحم الأم هو المكان المثالي لحل مشاكل الجنين وتكيفه مع الظروف البيئية في الدنيا بسبب قدرته على البناء، لذا فعلى الرغم من أن هذا قد يسبب الألم والإزعاج للجنين في الرحم، إلا أنه يجب على الأب والأم و الأطباء أن يقوموا بعلاج الجنين وهو لا يزال في الرحم من أجل تحقيق نتيجة أفضل في العلاج وتوفير الوقت والتكاليف قدر الإمكان.
أهمية الحياة في الرحم
حياة الرحم تحمل أهمية استثنائية من حيث القدرة على البناء، حيث يقوم الرحم في فترة قصيرة تتكون من تسعة أشهر، على بناء جسم له قدرة على العيش في الدنيا لسنوات عديدة. بالاضافة إلى ذلك، فإن الدنيا لا تمتلك القدرة على خلق إصبع واحد و تضع الكثير من الجهد والوقت لعلاج الضعف والأمراض الصغيرة. ونظرًا لقدرة الدنيا المحدودة على البناء، يقوم الأطباء عادةً بإجراء مراحل علاج الجنين في الرحم وقبل الولادة. ومع ذلك، فإن فترة الرحم لا تحظى عادة بأهمية كبيرة من حيث جودة الحياة، ولا نعتبر فترة التسعة أشهر حتى جزءًا من سنوات حياتنا، بل هو مكان ذو إمكانيات أدنى من المحيط الذي نستعد لدخوله. على سبيل المثال، كل ما لدينا في رحم الأم هو مشيمة وحبل سري وفضاء داخلي للرحم، بينما ندخل بعد الولادة إلى عالم يحتوي على محيطات ومجرات وتعقيدات مختلفة و… لذلك يفضل الأب والأم أن يتحمل الجنين مختلف الضغوط والصعوبات في الرحم لمدة محدودة إذا كان الأمر ضروريًا، لكي يصبح متكيفًا مع شروط الحياة في الدنيا ويعيش براحة ويسر.
الجنين الذي لم يولد بعد لا يعرف شيئًا عن الفضاء خارج الرحم، جاهلا للرياضيات التي تحكم الدنيا، يتحمل الآلام والصعوبات في الرحم بدون علم بأي شيء من حوله. وبالتأكيد، فإن من الأفضل بالنسبة له أن يمر بفترة الرحم بسلام بدلاً من مواجهة هذه الصعوبات بعد ولادته. من وجهة نظر الجنين فإن جميع هذه الإجراءات والضغوط في الرحم عديمة الجدوى وتعكر راحته في الرحم فقط إلا أنه بعد أن يواجه العالم الخارجي سوف يدرك أسباب صعوباته وآلامه، وأن كل هذه الأحداث والضغوط كانت نتيجة وجود عيوب كان يمكنها أن تؤثر على حياته في العالم الخارجي بشكل مضطرب ومؤلم. بعبارة أخرى، إنه يستسلم لتحمل آلام قصيرة مقابل آلام عميقة وطويلة الأمد. إلا أن الجنين لا يملك أي اختيار ولا يلعب أي دور على مرحلة نموه في الرحم، كما أنه لا يؤثر على نقاط القوة أو الضعف المحتملة التي هي على وشك النشوء في جسمه، بل إنه يتطور وفقًا لبرنامج محدد مسبقًا و التأثيرات التي تفرضها الأم على بيئة الرحم، و يقضي الفترة الرحمية إما ناجحًا وإما فاشلا. في النهاية، وبناءً على مدى توافقه مع شروط الدنيا فسوف يكون بإمكانه الاستفادة من إمكانياتها. ومع ذلك، فإن صعوبات الفترة الرحمية لا تقتصر فقط على رحم الأم بل وفقًا لقانون النسبة فإنها ممتدة أيضًا إلى حياتنا في رحم الدنيا. سوف نتناول هذا الأمر في مقال منفصل.
أسباب الأوامر الدينية
تعد تحولات فترة الجنين مختلفة بشكل كبير لمن يراقب الجنين من الخارج عن الجنين الذي يكون داخل الرحم. إذا كان للجنين القدرة على أن يحول دون تطوره في بيئة الرحم، فإنه بعد انتهاء فترة حياته في الرحم سوف يعانى طوال فترة حياته في الدنيا. إن علاقتنا بالأوامر الدينية مشابهة لذلك. إذا كانت آفاق نظرتنا محصورة فقط في حياتنا الدنيوية فيما يتعلق بالرحمة، واللطف، والزكاة والصدقة، والصلاة والصيام، والحجاب، وتفضيل الآخرين على النفس، والمحبة، والبغض، وجميع الأوامر الدينية، فإن جميع هذه الأعمال الدينية ستكون معقدة ومزعجة، لأنها تحرم الإنسان لذة من لذات الدنيا. أما من جهة أخرى فإنها تنمي الروح بخصائص الآخرة. تماما كما أننا نترك المشيمة عندما ننتقل من رحم الأم إلى الدنيا، فإننا نترك أجسادنا في الدنيا ونولد بروحنا و قلبنا عند مغادرتنا نحو الآخرة. إلا أن كيفية وجودنا في لحظة الولادة تعتمد على مدى استخدامنا للدنيا لاكتساب قلب سليم لكى يتسنّى لنا إمكانية التمتع والاستفادة من خصائص عالم الآخرة الذي يكون بمليارات المرات أكبر من الدنيا. نحن بحاجة إلى الإمكانيات اللازمة للاستفادة من كل خصائص العالم الآخر. صحيح أن الجنين في رحم الأم لا يتغذى إلا على الدم، لكنه يجلب معه فمًا ولسانًا وحاسة تذوق وجهاز هضمي و كل ما هو ضروري للاستفادة من آلاف النكهات الموجودة في عالم الدنيا. إذا كنا غير مدركين لوجود عالم أكبر وأجمل وأغنى من الرحم الذي يحيط بالأم وهو بيئة محيطة بلا نهاية، فإننا نعتبر جميع الجهود والتنمية التي يقوم بها الجنين داخل الرحم عديمة الفائدة والنتائج. وتماما كما أن الحياة الدنيا هي بحكم الغيب لنا عندما نكون في الرحم، فإن الآخرة مخفية لنا أيضا عندما نكون في الدنيا. و كما أن لحظة ولادتنا إلى الدنيا هي الوقت الذي سنواجه فيه نتيجة جهودنا المستمرة في الرحم والاستفادة من كل ما بنيناه خلال حياتنا في الرحم، فإن لحظة ولادتنا إلى الآخرة هي الوقت الذي سنواجه فيه نتيجة كل ما اكتسبناه في الدنيا.
تناولنا في هذا المقال صعوبات الفترة الرحمية، و ذكرنا أن الجنين قد يجد صعوبات الفترة الرحمية وجهوده عديمة الجدوى بسبب عدم وعيه برياضيات الدنيا. إنه يدرك بعد الولادة سبب تشكيل أعضائه والعملية التي مر بها في رحم الأم. كما أن جميع الآباء والأمهات والأطباء الذين يراقبون حياة الجنين من الخارج، يعرفون عن قدرة الرحم العالية. وبالتالي، فهم على استعداد للسماح للجنين بتحمل الضغوط والصعوبات لكي يستعد للتكيف مع الشروط البيئية للدنيا.
هل تعتقد أنه من الحكمة أن نتحمل صعوبات ومشقة فترة الرحم مقابل حياة متوافقة مع ظروف الدنيا البيئية؟ يرجى مشاركة آرائك معنا في هذا الموضوع.