ما هي العلاقة بين ميزان سلامة الجنين واستفادته من الدنيا؟

كيف يتم تحديد ميزان سلامة الجنين في الدنيا؟

ما هو ميزان سلامة الجنين وكيف يتم فحصه في الدنيا؟

كل شيء في هذا العالم يعمل وفقًا لمقاييسه وأوزانه المحددة، ومن هنا يظهر أهمية مفهوم “الميزان” كأحد المفاهيم المعتمدة والحيوية في حياتنا. لتحقيق النجاح في أي مجال، يجب علينا بالتأكيد قياس أنفسنا وتقييمها بناءً على المعايير المرتبطة بهذا المجال، أو بعبارة أخرى يجب علينا ملء الميزان المناسب لذلك المجال. نسعى في هذا المقال لاستكشاف العلاقة بين ميزان سلامة الجنين وكيفية تأثيره على نوع ولادته. هل ينطبق هذا المقياس والمعيار على حياتنا الدنيوية فقط؟ للإجابة على هذا السؤال، يجب أولاً تحديد:

– ما هو ميزان سلامة الجنين وبأي معايير يتم قياس سلامة الجنين في الدنيا؟

– ماذا يعني ملء الميزان فيما يتعلق بالجنين وما هي العلاقة بين سلامة الجنين واستفادته من الدنيا؟

– كيف يتم تحديد الميزان في سياق العلاقة بين الدنيا والآخرة، وكيف يتم قياسه للأفراد في الآخرة؟

عندما نتوجه إلى الطبيب بسبب ألم أو ضعف أو مشكلة في الجسم، يقوم الطبيب بتشخيص نوع المرض الذي يصيب جسمنا ويحدد الأدوية على نتائج الفحص. يكتب الطبيب أولاً طلبًا لتحليل الدم، ثم يقوم بمقارنة مستويات المواد المختلفة الموجودة في الدم بالمؤشرات والمعايير القياسية المطلوبة لحياة طبيعية. على سبيل المثال، لتشخيص مرض السكري، يقوم الطبيب بمقارنة كمية السكر في الدم بالحالة القياسية، أو لتشخيص فقر الدم فإنه  يقارن كمية الحديد في دمنا بالمستوى الطبيعي له. يُطلق على هذه العلامات والمعايير القياسية التي يستخدمها الطبيب لتحديد مدى توافقنا أو عدم توافقنا مع الحالة الطبيعية اسم “الميزان”.

على سبيل المثال، حددت أغلب الجامعات درجة ٦٠ كميزان لاجتياز الامتحانات، و كل طالب حاز على درجة ٦٠ فأكثر يعتبر مقبولا في تلك الدورة ويمتلك الأهلية للدخول إلى المرحلة التالية. وإلا في حال عدم تحقيق الطالب لتلك الدرجة فإنه لم يفهم الدرس و عليه أن يجتاز الدورة مجددا. بطبيعة الحال فإن الدرجة ٦٠ تعتبر الميزان الأدنى للاستمرار في الدراسة و كلما صقل ميزان الطالب أي ازدادت درجته عن ٦٠ فإن فرصته في تحقيق النجاح و التقدم في مسيرته التعليمية ستزداد بلا شك. بعبارة أخرى، يمكن اعتبار الطالب الذي قد حصل على درجة ٦٥ وكذلك الذي قد حصل على درجة ٩٥ أن كلاهما قد أحرزوا الدرجة التي تمكنهم من متابعة التعليم. ومع ذلك فمن الطبيعي أن الطالب الذي حقق درجة ٩٥ لابد أن ميزانه أكثر امتلاء ووزناً، وبالتالي فإنه سوف يكون اكثر نجاحا في التقدم نحو مراحل تعليمية الأعلى وتحقيق الإنجازات المتقدمة.

كلما كان فهم الميزان مهمًا في حياتنا الدنيا، فإنه سوف يكتسب أهمية أعظم في الآخرة. إنه مفتاح للأبدية، والأبدية لا تقبل المجازفات! إنّنا لن ننعم بالراحة وسهولة العيش في مرحلة حياتنا الآخرة إلا إذا نجحنا في ملء الميزان بالمقاييس اللازمة التي تناسب حياتنا هنا في الدنيا. وإلا، فإننا سيتم الحكم علينا على أساس خفة ميزاننا، تمامًا كما يحدث مع جنين لم يملأ الميزان اللازم لحياته في رحم الأم، ودخل الدنيا بأنواع متعددة من العيوب والأمراض الخَلقية، ويجب عليه تحمُّل الألم إلى آخر لحظة من حياته.

ما هو ميزان سلامة الجنين وكيف تقوم الدنيا بحساب الجنين؟

بعد ولادة الجنين من رحم الأم، تتأهب الدنيا فوراً لتقييمه والاستفسار عنه، وتقوم بقياس مدى سلامة الجنين باستخدام معايير متنوعة. وعلى الرغم من ذلك، فإن ذلك لا يعني أن الدنيا تقيم محكمة وتطالب الجنين بالرد على تلك الأسئلة، إذ أن هذه الأسئلة ليست من النوع الكتابي أو الشفوي الذي يتعين على الجنين الرد عليه. بل تعتبر هذه الأسئلة أسئلة “وجودية”، مما يعني أن الجنين يجيب على هذه الأسئلة باستخدام بنية وجوده أو بممتلكاته.

تعتبر ممتلكات الجنين، تلك الأعضاء التي جلبها معه إلى مكان الدنيا، مثل العينين والأذنين، والأيدي، والأرجل، والقلب، والرئتين، والكليتين، وغيرها من الأعضاء التي كافح وتعب للحصول عليها في رحم الأم. هذه هي ممتلكات الجنين، وتقوم الدنيا بتقدير مدى سلامته و صحته بقدرته على استخدام هذه الممتلكات.

يجدر بالجنين تطبيق قوانين الدنيا عند ولادته أي أنه يتوجب عليه أن يمتلك يدين وقدمين سليمتين تسمح له بالعيش بيسرٍ وبدون مشاكل حتى ختام أيامه. يُعَدّ الحصول على يدين وقدمين سليمتين أمرًا من بين الآلاف من المعايير التي تُطالب بها الدنيا من الجنين. إذا كان الجنين قد ملأ هذا الميزان بنجاح، فهنيئا له، إذ أنه يُمْكِن له أن يستفيد من هذه الأعضاء على مدى فترة طويلة ويتمتع بمتع الحياة. ولكن إذا لم يكمل الجنين بناء هذه الأعضاء، أي أنه لم يُحقق مقاييس تلك الأطراف، فهذا يعني أنه محكوم عليه بالعذاب حتى نهاية حياته. فالدنيا غير قادرة على صنع يدٍ أو قدمٍ للجنين، ليس لأنها لا ترغب في ذلك، بل لأنها غير قادرة عليه. حتى ولو كان لدى الجنين نقص في إصبع واحد، فإن الدنيا لن تكون قادرة على خلق ذلك له.

و هكذا هو الحال فيما يتعلق ببقية الأعضاء. كل عضو لديه معاييره الفريدة. على سبيل المثال، تتضمن معايير عين سليمة وجود قرنية، و شبكية، وعدسة وما إلى ذلك. وتتضمن معايير الأذن سليمة وجود طبلة الأذن، عظام الوجه، المطرقة، الركاب، الشيبور وغيرها. إذا كان لدى الجنين نقص في أيٍ من هذه المجالات في العين أو الأذن، فهذا يعني أن ميزان ذلك العضو غير مكتملة وغير جاهزة للحياة في الدنيا بشكل كافٍ.

ما هو الميزان في الآخرة وما هو معنى الجحيم؟

يتجلى التشابه بين رحيلنا نحو الآخرة وحركة الجنين عند خروجه من رحم الأم إلى الدنيا في سلسلة من المعايير التي يتم من خلالها تقييم الموازين. ففي لحظة وصولنا إلى الآخرة، يتم تقييمنا واستجوابنا على ضوء هذه المعايير، وكما أشرنا، فإن هذه الأسئلة ليست كتابية أو شفهية، بل هي وجودية؛ أي أن أفعالنا والممتلكات التي اكتسبناها في رحم الدنيا تشهد بسلامة حياتنا أو عدمها.

إنّ الميزان لتقييم الأفراد في الآخرة هو “الحق[1]، كما أنّ ميزان التقييم في الدنيا هو الحق أي أن الدنيا تقيس سلامة الجنين بالحق. “الحق” في الدنيا هو تناسب الجنين مع جميع المعايير والموازين التي يحتاجها للعيش في هذا العالم. عندما تتم ولادة الطفل إلى الدنيا، تظهر لنا مباشرة مدى صحته أو أي نقص قد يكون موجودًا فيه، وبناءً على ذلك، يمكن التعرف على مدى اكتمال الدورة جنينه بحق أم لا. إذا كان قد أكمل هذه الفترة بحق وتنسق بشكل صحيح مع موازين الدنيا، يمكنه بسهولة الاستفادة من فرص الحياة الدنيوية دون مشاكل. وإلا، في حالة مجيئه ناقصا و مريضا فيتعين عليه تحمل عبء العلاج، وبالطبع، العديد من النقائص التي لا يمكن علاجها بأي وسيلة.

تُطبَّق هذه القاعدة أيضًا فيما يتعلق بالآخرة. سیتم تقییم حالنا بـ “الحق” في اللحظة التي ندخل فيها الآخرة، وفي هذا السياق فإنّ الحق هو تطابق النفس الإنسانية مع خصائص الحياة في الجنة وظروفها. كلما تم تنسيقنا في الدنيا مع المعايير الضرورية للعيش في الجنة، وببساطة، كلما كانت مقاييسنا أثقل، كلما كانت الجنة أجمل وأوسع، وبالتالي سنستمتع بالحياة فيها بشكل أفضل.[2] وكلما كانت مقاييسنا أخف وزنًا، كلما كانت جنتنا أضيق.

وأمّا الجحيم فإنها موجودًة بذاتها، بل يكمن وجودها في عدم التوافق مع الجنة. بعبارة أخرى فإن عالم الآخرة هو جنة بذاته ولا وجود للجحيم فيه. غير أنّ الإنسان عندما لا يستطيع الاستفادة من إمكانيات الجنة، تتحول هذه الجنة بالنسبة له إلى جحيم. كما يحدث في الدنيا حينما تتحول إمكانياتها وجمالها بالنسبة لجنين ناقص ومريض إلى جحيم.

تناولنا في هذا المقال  مفهوم “الميزان” في الجنين، حيث فهمنا أن ميزان سلامة الجنين يتعلق بالأعضاء التي يحملها معه إلى الدنيا. ثم استفدنا بشكل رئيسي من هذا المفهوم لندرك كيف يتم قياس سلامة الأفراد في الآخرة باستخدام “ميزان سلامة الجنين“.

سوف نستعرض في المقالات المقبلة هذا المفهوم ونستكشف جوانبه المتعددة.

[1] . الأعراف/8: وَ الْوَزْنُ‏ يَوْمَئِذٍ الْحَق‏

[2] . الأعراف/8: وَ الْوَزْنُ يَوْمَئِذٍ الْحَقُّ فَمَنْ ثَقُلَتْ‏ مَوازينُهُ فَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُون‏

اكتب رأيك