لماذا یصعب عليَّ تحمل تحديات الدنيا وصعوباتها؟
من المحتمل جدًا أننا جميعًا في مواجهة مشاكل وتحديات الدنیا، إما أننا قد نطقنا بهذا النوع من الجمل أو سمعناها من الآخرين: يا إلهي، لماذا لم تستجب دعائي؟
لماذا لم تعطني ما أردت؟
لماذا أبليتني بالبلاء والمرض؟
لماذا أصبت بالسرطان؟
لماذا أفلست؟
لماذا حدث طلاق في حياتي؟
لماذا لم أتزوج؟
هناك نقطة مهمة تتعلق بهذا النوع من الأسئلة، وهي: من هي هذه “الأنا” التي نشكو من مشاكلها؟
إن فهم أبعاد وجودنا بالكامل يساعدنا على التفكيك بين أنواع “الأنا” المختلفة والمشاكل والقضايا المتعلقة بكل جانب منها. ومن ثم، سيكون نوع ومدى ردة فعلنا تجاه صعوبات ومشاكل كل جانب متناسبًا مع أهمية ذلك البعد من وجودنا. إن نوع شخصية كل واحد منا تكشف عن “الأنا” التي تتمتع بأهمية وأصالة أكبر في وجودنا.
بالإضافة إلى فهم الذات، فإن الإلمام بفلسفة الصعوبات يساعدنا أيضًا على أن ننظر إلى مشاكل العالم بطريقة مختلفة. في هذا الدرس، سنحاول التعرف على الموارد التي تتسبب في تضخيم المشاكل في نظرنا، ومن خلال تفسير المشاكل من زاوية مختلفة، سنتعرف على حقيقتها وجوهرها.
مصاعب الدنیا، ناد لنمو الإنسان
في الدروس الأولى، عندما تحدثنا عن جوانب الوجود الإنساني ذكرنا أنواع الأنا. إن وجودنا عبارة عن مزيج من الأنا الوهمية، والخيالية، و الجمادية، والنباتية، والحيوانية، والعقلية، وماوراء العقلية. ولکنّ الأنا الوحيدة التي تعتبر حقيقيةً، هي الأنا التي ترتبط بما وراء العقل. ولكن هل تحكم هذه الأنا في وجودنا جميعاً؟ كيف يمكننا أن نعرف الأنا الحاكمة في وجودنا؟
طالما أننا لم نخض صراعاً بين الأنا الأبدية والأنا العقلية و الوهمية والخيالية و الجمادية والنباتية والحيوانية، فإنه لن تتضح لنا الأنا التي قمنا باختيارها. يقول الشهيد مطهري: “إن التعارض والتنازع هو سوط التكامل. تشق الكائنات الحية طريقها إلى الكمال بهذا السوط، وينطبق هذا القانون على عالم النباتات والحيوانات وخاصة الإنسان.”
تختلف ردود أفعالنا تجاه المشاكل والتحديات، بناءً على الجانب الذي قمنا بتغذيته أكثر في وجودنا. بعض المشاكل، مثل القضايا العائلية والعاطفية، تخص الجزء الحيواني من وجودنا. لذلك إذا كانت التحديات التي تضغط علينا عبارة عن طلاق أو عدم زواج أو خلافات عائلية، فهذا يعني أن “الأنا” الحيوانية لدينا نشطة وذات أصالة ولذلك تشعر بهذه الآلام.
يتعامل الله مع كل واحد منا بناءً على تركيب وجوده، تماماً كما يتعامل المدرب مع كل طالب وفقًا لقدراته. الأمر الذي يدفعنا الی نقف أمام الله، ولا نرضى بقضائه، ولا نصبر على المشاكل، هو اختلاف وجهة نظرنا مع الله في تعريف “الأنا” الحقيقية. من وجهة نظر الله، “الأنا” الإنسانية، أي ما وراء العقلية هي الأنا الحقيقية لوجودنا، وأي شيء لا يتعلق بهذا الجانب من الإنسان لا يملك أصالة عند الله. ولكن بما أننا نعتبر “الأنا” الأخرى أصيلة في حياتنا، لذلك فإننا قد نفقد صبرنا في مواجهة المصاعب والمشاكل التي تطرأ على هذه الجوانب ونبدأ بالتذمر والشكوى.
إذا عرفنا أنفسنا والهدف من خلقنا ورضينا بالله كمدرب ومُربٍّ لنا، فسندرك أن كل ما يمنحه لنا من نعم أو مصائب هو لحكمة ومصلحة، وما هو إلا فرصة لنمونا. لقد جعل الله سبل نمو البعض منا من خلال النعم، والبعض الآخر من خلال المرض، بينما يبتلى آخرون بالفقر او بالصحة. إن الإيمان بهذه الحقيقة يحمينا من الوقوع في فخ المقارنة، فلا نقارن ما يملكه الآخرون بما نفتقده نحن، ولا نشكو من الصعوبات والمشاكل.
لقد وُجدت بعض القيود والمشاكل في الدنيا لإزالة العقبات من طريقنا لكي نتمكن من الخلوة مع الله، ولكن معظمنا ليس مستعدا لترك الأمور الدنيوية من أجل حب الله، وبمجرد أن يحرمنا الله من ذرة صغيرة من الدنيا، نرفع صوتنا بالاعتراض. قد يتدخّل الله في دنيانا ليعلمنا درساً و يصقلنا للتخلص من صفات سيئة قد اكتسبناها، تماما مثل الطبيب الذي يتدخل في رحم الأم ليصلح إذا ما کانت هناك أعضاءً زائدة في الجنين. كذلك الله يصلحنا من خلال هذه الصعوبات ويجعلنا أشبه به. لكن للأسف، بدلاً من اغتنام هذه الفرص، نشعر بالحزن لانفصالنا عن جوانب طبيعتنا كالزوج والزوجة، والأبناء، والطعام، والمال؛ لأنّ هذه الأجزاء عادة أحب إلينا من الله.
في الواقع، فإن إحدى فلسفات الابتلاءات ومشاكل الدنيا هي تهيئة الظروف لنا للاختيار بين الأنا الأصيلة والفطرية، وبين ذواتنا الطبيعية والفرعية. يرى الكثير منا ان مشاكل الدنيا كبيرة بسبب إحساسه بالانتماء إلى الجانب الطبيعي لوجوده. بمعنى آخر، إن اعتراضنا واستيائنا من المشاكل ناتج عن ضعف معرفتنا أو تعلقنا بالكمالات الأدنى وغير الإنسانية. كلما ضحينا بالجوانب السفلية لوجودنا من أجل الجانب الإنساني، كلما اقتربنا من الله اكثر. وبالعكس فإننا كلما اعتنينا بهذه الجوانب أكثر، كلما ابتعدنا عن الله أكثر فأكثر. إن الشعور بالضغط والصعوبة عند مواجهة المشاكل ليس إلا نتيجة الإبتعاد عن الله.
بناء الإنسان هو سمة ونتيجة مشاكل الدنیا
يمكننا النظر إلى الصعوبات والمشاكل من جوانب مختلفة؛ إذا نظرنا إليها كعقبات تعترض طريقنا لتسبب لنا الأذى والعناء، فإننا سوف نشعر بالاستياء بالتأكيد. ولكن للمصاعب أسباب مثل الاختبار والابتلاء، أو تكون أرضية لازدهار المواهب، وعاملاً في تنقية النفس، ونمو الدرجات المعنوية، ووقاية من بلايا أعظم، وحفظ وتنمية الإيمان، وكذلك بناء الإنسان.
إن المصائب والمشاكل التي تنمي الجانب الإنساني، هي تلك المصاعب التي تفصلنا عن جوانبنا الطبيعية والجنسية والحيوانية. هذه الصعوبات تؤثر في الواقع على الجانب الطبيعي لوجودنا، ولكن تأثيرها هو تقوية فطرتنا وجعلنا أكثر تشبها وألفة بالله.
فإذا نزلت مصيبة ومشقة على جانبنا الطبيعي، فإنه مدعاة للشكر، لأن هذا النوع من المصائب يتسبب في تقوية الجانب الفطري والإنساني لدينا، بشرط أن نستفيد من هذه المصيبة كفرصة ولا تكون تهديدًا لزيادة التوكل والاعتماد والتعلق بالله. “يجب أن لا نغفل عن هذه النقطة، وهي أن المصائب تعتبر نعماً عندما يستفيد منها الإنسان بالصبر والاستقامة، وتصل روحه إلى الكمال بمواجهة المصاعب. و أما إذا فرّ الإنسان أمامها وبدأ يتأوه منها و يشكو فإنها تصبح بلاء حقيقياً.
خلافا للتصور السائد، فإن ليست جميع المشاكل والبلاءات ضارة لنا. أحيانًا نجد في المصيبة التي أصابتنا فرصة للعودة إلى أحضان الله، والتحرر من الشرك، واكتساب العزة والشخصية. ولعلنا جميعا نجد مثالاً لذلك في حياتنا، عن مشاكل بدت في ظاهرها سيئة وغير مرغوب فيها، لكنها كانت في الواقع مباركة وجلبت لنا فوائد كثيرة، وأصبحت فيما بعد سببًا لنمونا وراحتنا في العديد من المجالات. إن سمة هذه المصائب المباركة والجيدة هي أنها تبني الإنسان.
مشاكل الدنيا؛ أشعة مقطعية للروح!
يحتاج الأطباء في بعض الأحيان إلى رؤية ما بداخل جسم المريض باستخدام أدوات وأساليب مثل التصوير المقطعي المحوسب (CT Scan) أو التصوير بالرنين المغناطيسي (MRI) لتشخيص الأمراض وعلاجها. نحن أيضًا نحتاج أحيانًا إلى الاطلال على باطن أنفسنا لفهم ذاتنا الحقيقية. إحدى الأدوات التي تساعدنا في ذلك هي مشاكل الدنيا. إذا اعتبرنا الآلام والصعوبات مثل سكين يقطع وجودنا ويقسمه إلى قسمين؛ جزء حقيقي وغير حقيقي، فلن نشتكي منها وسنتمكن من تحملها بسهولة. هذه المشاكل تشير إلى النقاط الحساسة والمؤلمة في أرواحنا، مما يساعدنا على التعرّف عليها وفهمها. على سبيل المثال، الشخص الذي يعاني من مرض الحقد أو البخل، سيجد أن المشكلة التي تؤذيه أكثر هي تلك التي تتعلق بخلافاته مع الآخرين أو عدم قدرته على التسامح، وبالتالي تصبح المشاكل التي يواجهها ليست إلا وسيلة لتحديد هذه الصفات غير المرغوب فيها و التخلص منها.
جميع الأحزان ومشاعر الذل والوحدة والغربة مرتبطة بالأنا غير الحقيقية لوجودنا. لقد ألقت هذه الأنا ستارا على الحقيقة كالحجاب، وإذا استطعنا أن نزيله، فسنرى أننا في أحضان الله حقاً.
النقطة المهمة في تفسير أحزان الحياة ومشاكلها هي أن نفهم ما هو الجانب من وجودنا الذي يتأثر بهذه المصاعب؛ هل هي الطبيعة أو الفطرة؟ إذا عرفنا أنفسنا بشكل صحيح، ستتغير رؤيتنا للمصائب والمشاكل. ولكن إذا اعتبرنا أن جوهر وجودنا مرتبط بالدنيا والطبيعة، فسوف نصاب بالاكتئاب والضعف عند مواجهة المشاكل الدنيوية والطبيعية.
في هذا الدرس تعلمنا أن المصائب والمشاكل تؤثر على جوانب مختلفة من وجودنا، بناءً على مدى أهمية وأصالة الجوانب المختلفة من ذواتنا. إذا كانت الجوانب الدنيوية والطبيعية تهيمن على وجودنا، فإننا سوف نشكو من المشاكل ونعتبرها مزعجة وثقيلة. ولكن عندما تسيطر الذات الإنسانية على وجودنا، سنرى المصائب كأدوات تصقلنا وتنحت وجودنا وتساعدنا في طريق التشبه بالله.
لماذا تبدو تحديات الدنيا ومصاعبها ثقيلة برأيكم؟ يسعدنا أن تشارکونا آرائكم.