ما هي النسبة المكانية؟ كيف يتم تعريف موقع الدنيا فيما يتعلق بالآخرة؟

تنشأ النسبة المكانية علاقة بين رحم الأم والدنيا وبين الدنيا والآخرة

كيفية إنشاء الصلة بين (رحم الأم والدنيا) وبين (الدنيا والآخرة) من خلال النسبة المكانية

إن أحدى أبسط الخطوات لاكتساب فهم عميق لأي موضوع و ترابطه مع أمور أخرى يبدأ بالحصول على المعرفة حول موقعه وإطاره الدقيق. ومن خلال تمييز موقعه، نكتسب رؤى قيمة حول تأثّره و تأثيره. على سبيل المثال، إذا كان المستشار يعلم مكان إقامتنا في أي مدينة أو دولة، وما هي المرافق أو المخاطر المحيطة بنا، فإن بإمكانه أن يقدم لنا استشارة أفضل. لذا، يُعَدُّ النظر إلى تعريف المكان من منظور فلسفي أمرًا مفيدًا.

ووفقًا لأشهر تعريف قُدِّمَ من قبل فلاسفة مثل الفارابي وابن سينا، والذي أكده أرسطو أيضاً، المكان هو السطح الباطن الملامس للجسم وهو إما أن يكون مكان خاص يشغله جسم محدد، أو أنه مشترك يوجد فيه جسمان أو أكثر.[1] من خلال فهم هذا التعريف وتفهم قاعدة النسبة، يمكننا بسهولة فهم النسبة المكانية بين رحم الأم والدنيا والآخرة، والسعى إلى فهم ضرورة النسبة المكانية بين الدنيا والآخرة، والبحث عن إجابات على الأسئلة التي قد تنشأ حول هذا الموضوع، مثل: ما هي المسافة المكانية بين رحم الأم والدنيا؟ و كيف يساعدنا فهم النسبة المكانية على فهم المسافة بيننا وبين الآخرة؟

إذا سئلنا عن مكان الجنين، فإن إجابتنا بشكل عام هي “الدنيا”. في حقيقة الأمر، ورغم أن الجنين يتكوَّن ويتطور داخل رحم الأم، إلا أن وجوده في رحم الأم ليس دائميا. الجنين يتواجد في مكان يعود بالأصل إلى عالم أوسع يُعرف بـ “الدنيا”. لفهم هذا الأمر بشكل أعمق، يُمكننا أن نتصوَّر لؤلؤة داخل صدفة. في نفس الوقت الذي يتكون اللؤلؤ داخل الصدفة ويكوّن حياته، فإنه في مكان أكبر كالبحر أو المحيط. هذا يعني أنه يتواجد في مكان يُحاط بمكان آخر. وفقًا لقاعدة النسبة، هناك نفس العلاقة المكانية بين رحم الدنيا والآخرة، أي أننا على الرغم من أننا في الدنيا، إلا أننا في الوقت ذاته متواجدون في مكان محيط بالدنيا وأكبر منها. ليس هذا المكان سوى الآخرة.

المسافة المكانية بين رحم الدنيا والآخرة

إذا لم تكن هناك دنيا، لا يمكن أن يكون هناك وجود لرحم الأم، وحتى لو لم تكن هناك آخرة، فلن تتشكل الدنيا داخلها. تقوم الدنيا بإرسال جزء من جوهرها إلى رحم الأم، حيث تتبع مراحل نموه وتطوره، ثم يعود إلى الدنيا ليعيش على مستوى أعلى. تكمن النقطة في أن الدنيا تحيط برحم الأم، حيث لا يمر الجنين من أجل الولادة أي فجوة مكانية. يعتبر الرحم جزءًا من الدنيا، وهو بمثابة إحدى مخلوقاتها. بناءً على ذلك، يمكننا القول إن المسافة بين رحم الأم والدنيا تكمن في مجرد ولادة واحدة.

لا يوجد لدينا أي تصوّر دقيق حول الآخرة نظرًا للقيود التي تفرضها علينا الحياة في هذه الدنيا، إلا أنه بالاستناد إلى قاعدة النسبة، نتأكد أننا تمامًا مثل الجنين الذي يُحاط بالدنيا في رحم الأم، لا نحمل أي فجوة مكانية مع الآخرة، بل إننا مُحاطين بالآخرة خلال فترة حياتنا في الدنيا. وفقًا لكل ما تم ذكره حتى الآن وفي مقالات الرغبة في اللانهاية، ندرك أنه لا مكان لفكرة العدم والعدمية في الكون. إننا في الحقيقة، بدأنا في عبور عالم الآخرة منذ اللحظة الأولى، والتغير الوحيد هو بيئتنا الحياتية في رحم الأم أو المكان الذي وضع فيه الرحم والذي يُعرف باسم الدنيا كأداة تتيح لنا الحياة. وهكذا، كما تم وضع رحم الأم في هذا العالم المحيط به، فإن الدنيا أيضًا موجودة داخل الآخرة، وتكاد فجوتنا من رحم الدنيا إلى الآخرة تشبه فجوة رحم الأم من الدنيا، وتكون هذه الفجوة مقيدة بولادة واحدة فقط، وهي الولادة التي نشير إليها باسم الوفاة.

يتم تحديد احتياجات الجنين وفقًا لمكانه ووضعه

يتغذّي الجنين في رحم الأم من خلال الدم الذي يتدفق إليه من خلال الحبل السري ولا يمكن لأي شخص أن يزعم أن هناك بديلًا أفضل من دم الأم لنمو الجنين وتغذيته في فضاء الرحم. إن دم الأم هو التغذية التي تُعِدُّ الجنين لتحضير الأدوات والانتقال إلى مكان أعلى وهو الدنيا. ولكن تتغير شروط الجنين، الذي يُعرف فيما بعد باسم الرضيع، عقب دخوله الدنيا بتغير ظروف دخوله إلى الدنيا، حيث ينتقل إلى محيط يتمتع بخصائص حياتية متغيرة. لم تعد التغذية عبر الدم تتناسب مع بنية وجوده الجديدة ولا يمكنها أن تلبي احتياجاته في بيئة الدنيا. يتحول الجنين الآن إلى إنسان يستعد للحياة في الدنيا ويكتسب الاستعداد لدخول العالم الآخر، أي الآخرة. وبطبيعة الحال، مع هذه التغييرات في المكان فإنه بحاجة إلى إعداد برنامج محدد يأخذ في اعتباره التناسب مع العلاقات المكانية ويتناغم مع خصائص المحيط الجديد. برنامج يلبي احتياجاته في بيئة الدنيا ويكون متوافقًا مع بنية وجوده في عالم الآخرة. بشكل عام، فإننا حين نجد أنفسنا داخل أي رحم، فإننا في الحقيقة نستعد للمرحلة التالية والعالم الذي يحيط بذلك الرحم. إننا نُعِدُّ أنفسنا في رحم الأم لسمات الدنيا الحياتية، وعندما نولد في رحم الدنيا، تُتاح لنا الفرصة لتحضير أنفسنا لسمات حياتية الآخرة التي يحيط به الدنيا.

تناولنا في هذا المقال سمات مكان رحم الأم وفهمنا أن النسبة المكانية بين رحم الأم والدنيا تشبه تمامًا النسبة المكانية بين الدنيا والآخرة. فكما تحيط الدنيا برحم الأم ولا يوجد فصل مكاني بينهما، فإن الآخرة تحيط بالدنيا وتشملها. وفي النهاية، أشرنا إلى أن احتياجاتنا تحدد وفقًا للظروف المكانية التي نجد أنفسنا فيها.

ختامًا، نطمح أن تكون هذه الكلمات قد ساهمت في تعزيز فهمنا للجوانب المتعددة لقاعدة النسبة. وإذا كنتم تملكون أية معرفة أو تجربة في هذا السياق، ندعوكم لمشاركتها معنا لتحسين هذا المحتوى.

[1] . المكان والزمان

اكتب رأيك