ما هو عالم القبر؟ ما هي علاقة النفس الانسانية بالقبر؟

ما هو عالم القبر؟ ما هي علاقة النفس الانسانية بالقبر؟

ما الذي يحدد حالاتنا في عالم القبر؟

تعتبر قضية الموت وما بعده من المواضيع التي لا تفارقنا، فنجد أننا دائمًا ما نغوص في التفكير حولهما بفضول لا ينضب سواء بشكل مباشر أو غير مباشر. قد يعود جزء من هذا الفضول إلى الوعي بأننا في النهاية سنخوض تلك الرحلة بأنفسنا، إذ يرتبط الخروج من الدنيا بالدخول إلى “عالم القبر“، الذي يُعرف أيضًا بـ “عالم البرزخ“. ومن هنا، تنبعث العديد من التساؤلات في أذهاننا حول المصائر التي سنواجهها في المستقبل وبعد الممات، مثل:

– ما هو عالم القبر بالضبط؟

– كيف تكون أحوالنا بعد الموت؟

– ما هي العلاقة بين الروح والقبر؟

– ما هي الخطوات التي يجب اتخاذها لنكون آمنين من تحديات عالم القبر؟

أدركنا في المقالات السابقة، أن هناك مرايا تم وضعها في الدنيا لتعكس حالتنا الراهنة. تشبه هذه التجارب تلك التي نواجهها في نهاية العام الدراسي، حيث يمكننا تقدير درجات الطلاب استنادًا إلى أدائهم طوال العام الدراسي. وبالمثل، يجب علينا أن نلقي نظرة عميقة على كيفية قضاء حياتنا الآن لفهم وضعنا في الآخرة وعالم القبر. هل نتقدم يومًا بعد يوم نحو الغاية التي خلقنا من أجلها، أم أننا نبتعد عنها؟ ما هي أحلامنا وآمالنا ورغباتنا ومخاوفنا؟ هل ندرك الدور الذي تلعبه أفعالنا وتصرفاتنا في صياغة المستقبل؟ إن ما نفعله وما نمتنع عنه في الدنيا يشکل البنية الأساسية لعالم القبر الذي يرتبط بنا والآخرة سواء شئنا أم أبينا. لذا، يكفي أن نحاسب أنفسنا بعمق لنفهم ما إذا كنا في الجحيم أم لا.

بإمكاننا أن نعتبر كقاعدة أن روحنا هي قبرنا نفسه؛ إذ يتوقف كل ما نواجهه في الحياة الآخرة على ما حفظناه وعملناه في أرواحنا في الدنيا. لذا، لفهم وضعنا في الآخرة أو في عالم القبر، من الأفضل أن نراجع الأمور التي تُعرِّض أنفسنا لضغوط في الدنيا، وتلك التي تمنحها الهدوء والسكينة.

حالتنا فی عالم القبر

إذا سُئِلنا الآن عن تصوّرنا لقبرنا المبتغى، أو عن رغبتنا في كيفية أوضاعنا في البرزخ والآخرة، فسنبدأ دون تردد في تخيّل سيناريو مثالي: بيئة فسيحة وواسعة وخالية من الضيق والانزعاج، حيث نتمتع بجميع نِعَم الآخرة. قد يكون كل ضعف لدينا نتيجة لعدم فهمنا السليم للعلاقة بين حياتنا الدنيوية والآخرة. نحن لا ندرك أن الوقت المناسب لبناء قصر أحلامنا في الآخرة هو الآن بالضبط، حيث أن دارنا الأبدية تُبنى بأفكارنا وأعمالنا واختياراتنا وسلوكياتنا یومًا بعد يوم.

يُعتبر القبر في الواقع مصطلحًا يتشابه مع الروح، حيث يمثل أساسًا لحقيقتنا وجوهرنا الذي ينبغي علينا بناءه في الفترة القصيرة والمحدودة في هذه الدنيا. ينبغي لنا أن نبدأ في بناء السكينة التي نتوقع أن نملكها في الجنة هنا في الدنيا أولاً. إذا كنا محاصرين دوما من قِبَل ضغوط الحياة الدنيا، فسنظل ضيوفًا لهذه الثروات التي أُرسلت مسبقًا لأرواحنا حتى بعد الموت، وسنواجه التحديات. من يستخدم مواد غير مناسبة في بناء منزله، لا يمكنه أن يتوقع الحصول على بناية جيدة و راسخة في النهاية. وبالمثل، إذا سمحنا لأي نوع من التلوث أن يدخل أرواحنا، فسنحمل ذلك معنا إلى البرزخ، وبالتالي، لن يكون لدينا الأساس لتوقع ولادة سليمة في عالم القبر والقيامة.

نحن الآن في الآخرة

قد يوافق الجميع أن من أجمل اللحظات في الحياة هي لحظة ولادة مولود جديد. اللحظة التي يُعلَن فيها أن المولود سليم إلى الدنيا، ويغمر محيطه بفرح لا يمكن وصفه. في تلك اللحظة، لا يوجد هناك من یبکي غير المولود نفسه الذي قد ترك الحضن الآمن والمألوف ليدخل فجأة إلى عالم أوسع بآلاف المرات، ولکن يطمئن قلبه ويزيل كل قلقه لحظة وجوده في حضن الأم لأنّه أثناء تواجده في رحم الأم، كان يشعر بالراحة والانسجام مع صوت قلبها ونغماتها الهادئة، والآن عندما يرى نفسه كجزء من جسدها مرة أخرى، يبدو الأمر وكأنه انضم إليها مجددًا.

لم يكن الجنين يعيش مکانًا خارج الدنيا قبل ولادته وإنّما كان دائمًا في الدنيا محاطًا بحنان الرحم والأم بنفسها. في الحقيقة، يعيش كل من الأم والجنين في الدنيا، معزولين بغشاء رقيق فقط. تشعر الأم بوجود الجنين وتنتظر قدومه، بینما لا يعرف الجنين شيئًا عن الدنيا أو عن الأم أو عن ما يُخَطط له. وعندما يحين وقت الولادة، يتخطى الجنين هذه المسافة القصيرة بين رحم الأم والدنيا ويدخل إلى عالم جديد يبدو أنه صُمم خصيصًا له مع كل عجائبه. في تلك اللحظة الأولى من ولادة الجنين تظهر درجة استفادته واستعداده للحياة في الدنيا.  و هكذا يتم تحديد كل شيء في الآخرة لحظة ولادة کل شخص، حيث يَظهر تأثير أعمالنا في الدنيا على نوعية حياتنا الأبدية، سواء كانت حياتنا في الآخرة مليئة بالضيق والضغوط أم بالراحة والسعادة.

 مثال بسيط لفهم العلاقة بين الدنيا والآخرة

لنتخيل أن لدينا جارًا لا يتصرف بشكل لائق مع ابنه، فهو لا يولي اهتمامًا كافيًا لاحتياجاته الجسدية والنفسية، ولا يمنحه الوقت الضروري لتربيته بشكل صحيح، وعندما يتحدث معه، لا يستخدم الكلمات المناسبة. يمكن بسهولة التنبؤ بما سيواجهه هذا الابن في المستقبل. في الحقيقة، تشكل سلوكيات هذا الشخص الحالیة، شخصية ابنه المستقبلية، وسيواجه نتائج أفعاله في الأيام القادمة. إنّنا نواجه تجربة مماثلة بعد وفاتنا عندما ننتقل إلى عالم الآخرة، حيث يتعين علينا الإجابة عن أسئلة تتعلق بنتائج تصرفاتنا في الدنيا. و من ثم تُحدّد قدرتنا على الرد أو عدم الرد على هذه الأسئلة، موقفنا في عالم القبر. كما يكون الجنين في الدنيا مغمورًا بجهوده ومحنه التي مر بها في رحم الأم، فإن الآخرة هي المسرح الذي سنواجه عليه بثمار أعمالنا في الدنيا.

مدى استفادتنا من الآخرة

يتوقف مصيرنا في الآخرة ومدى احساسنا بالسكينة أو الضيق في قبورنا على قراراتنا وأعمالنا في هذه الدنيا. كلما تقدمنا وتطورنا في مسيرتنا نحو اللانهاية في هذه الحياة، فإننا قد استفدنا في الحياة الآخرة من کمالات لانهائية. إلّا أنّ المعرفة والوعي بذلك ليسا وحدهما كافيين وإنّما نحن بحاجة إلى الصيرورة التي هي التحول والسير نحو تحقيق الكمالات اللانهائية.

إذا تأملنا في استقامة نعم الآخرة فعلينا أن نسعى جاهدين نحو الكمال اللانهائي بقدر المستطاع، و يجب أن نبذل جهدًا لتحول أرواحنا إلى اللانهاية، لا يتحقق ذلك إلا إذا تحولت روحنا بحيث أنها  لا تعرف الغضب، ولا العجلة، ولا الكراهية والحقد و الحسد، ولا الارتباط بالمحدود. إن اللطف و الحنان اللانهائي والصبر اللانهائي، والعفو اللانهائي، والسخاء اللانهائي، كل ذلك من صفات الله. ينبغي علينا أن نسعى لتحويل معلوماتنا ومعرفتنا إلى ملكاتنا وثرواتنا الحقيقية، أي أن نبني أولاً صفات الله في أنفسنا، ثم نتصرف على أساسها، لأنه سيأتي لاحقا وقت نحتاج فيه إلى هذه الصفات في الآخرة والقبر، تماما كما نحتاج إلى أعضاء أجسادنا في الدنيا. إنّ الجحيم هو افتقارنا إلى ما نحتاجه حاجة ماسة هناك، فالجنة مملوءة بالأنغام السماوية الجميلة، ولكن من يعجز عن الاستماع، سيعاني من عمى السمع بالتأكيد.

القبر و أسئلته

نحن كتّاب في الدنيا، نسطّر قصتنا ونحدّد النهاية التي نطمح إليها، إذ أن طريقة تصرفنا وأعمالنا في الدنيا تحدد تمامًا كيفية مواجهة أسئلة القبر والآخرة وما ينتظرنا. وعلى الرغم من ذلك، فإن أسئلة القبر والآخرة أو التحديات التي نواجهها في الحياة الأخرى هي ليست مجرد أسئلة على ورق أو في الكلام؛ بل هي الصفات التي يجب أن نحوّل أنفسنا إليها ونجعلها جزءًا من ثروة أرواحنا. لذا، يمكننا القول إن بنية روحنا تحدد ما إذا كان القبر سيكون مكانًا للسكينة أم للضيق، وهي المفتاح لإجابتنا على أسئلة القبر والبعث.

إذا كانت هناك شيء قليل من الحقد والغرور والطمع أو الغضب في أعماق روحنا، فلنقم بفصلها عنا قبل دخولنا النار لكي نتمتع بنعيم الآخرة. إذن موقع كل فرد منا في الآخرة يحدد حجم ثرواتنا الروحية. إنّ قبرنا هو نفسنا وروحنا، فإذا كانت روحنا تعاني في الدنيا من الحرمان، فسيكون وضعنا مماثلاً في الآخرة، و إذا كنا نعاني من الحسد والانفعالات والحساسية في الدنيا، فإننا سنعاني أيضاً بعد الموت في النار.

إنّ الشيء الوحيد الذي نحتاجه في الآخرة ويحدد مكانتنا هو القلب السليم. إن قلوبنا ومدى معرفتنا وثرواتنا الحقیقية، هي التي تحدد حالتنا في الدار الآخرة. كما يُظهر الجلد حالة صحتنا الجسدية، فإنّ حالة السعادة والسلام لقلوبنا تکشف عن مكانتنا في الحياة الآخرة. إن القلب السليم في هذه الدنيا يعيش في سعادة وسكينة، بينما القلب الذي يعاني من الضغوط والتوترات هنا، سيجد نفسه في النار وسط الضيق والاضطراب بعد الممات.

أدركنا في هذا النص، أن نفوسنا هي قبورنا. إن وضعنا الحالي في هذه الدنيا يعكس حالتنا المستقبلية في عالم القبر ويوم القيامة. نحن متواجدون في الآخرة الآن، والفارق بيننا وبين عالم القبر ليس إلا مثل لحظة ولادتنا في الدنيا أو بمعنى آخر في الموت. تعتبر الدنيا فرصة لنا لنسلك طريق التحول إلى الكمال اللانهائي، وعندما ندخل عالم الآخرة، سنواجه نتائج أعمالنا في هذه الحياة.

ما رأيك في مفهوم القبر؟ هل كنت تعلم أننا نعيش حالياً في حالة مبدئية من أحداث عالم القبر الخاص بنا؟

اكتب رأيك