ماذا يعني كون الدنيا ناديًا وكيف يساهم في نمونا؟

جدول المحتويات
كون الدنيا ناديًا أي أن الدنيا تساعد على نمو وتطور روحنا.

الهدف من كون الدنيا ناديًا هو بناء شخصيتنا

هل سمعت يوما أن الدنيا هي نادٍ قويّ بالنسبة لنا؟ ما رأيك في الدنيا؟ هل توافق على كونها ناديًا وقمت بالتسجيل الرسمي في هذا النادي؟ لقد سمعنا جميعًا تفسيرات مختلفة حول الدنيا، على سبيل المثال، أن الدنيا مزرعة الآخرة أو الدنيا دار ممر وليست دار مقر[1]، ولكن فكرة كون الدنيا ناديًا، مثيرة للتأمل وقد لا تكون مألوفة لدى الجميع. حقًا، كيف يمكن للدنيا أن تعمل كالنادي وتساعدنا على النمو؟ و أيّ نموٍ يتشكل في وجودنا مع هذا النادي؟ على الرغم من أننا تحدثنا عن هذا الموضوع في المقالة السابق، إلا أننا في هذا المقال نهدف إلى التعمق في كون الحياة ناديًا بتفصيل أكثر.

الأمر المؤكد هو أن كون الدنيا ناديًا ليس له علاقة بجسمنا، حيث يوجد هناك أنواع مختلفة من النوادي الرياضية واللياقة البدنية لتقوية جسمنا وتمرينه، ويتم التسجيل فيها من قبل أولئك الذين لديهم الرغبة والظروف الجسدية المناسبة. في حين أن الدنيا هي نادٍ للجميع بغض النظر عن حالة أجسامهم، حتى لأولئك الذين يعانون من أمراض جسدية خطيرة أو إعاقات شديدة. لذلك، فإذا كان نادي الدنيا لا يرتبط بجسدنا، فبم يرتبط؟

فلنبدأ حديثنا بالخوض في طبيعتنا وأبعاد وجودنا، قبل التركيز على كون الدنيا ناديًا وتأثير ذلك على نمونا. كما تم ذكره في المقالات السابقة، يحتوي الإنسان على خمسة أبعاد وجودية. الجانب الإنساني أو ماوراء العقلي من وجودنا هو نفخة من الله نُفخت في أجسادنا، وهي إلهية وأبدية وخالدة، و ما دام الله هو الله فهو حيّ لا يموت. إن هذا الجانب  هو الجزء الحقيقي لوجودنا ويعود في النهاية إلى حضن  الله بعد الانتهاء من رحلتنا الدنيوية. كون الدنيا ناديًا يتعلق بهذا الجزء، أي أن الدنيا تساعد على نمو وتطور روحنا.

يطرح هنا هذا السؤال: كيف يمكن للدنيا أن تكون ناديًا لنمو روحنا؟ ومن هو المدرب في هذا النادي؟ وإذا لم نعترف بوجود هذا النادي ومدربه، فما الذي سيحدث لنا؟ سنلقي الضوء عن ذلك في هذا المقال.

 العالم، نادٍ إنساني

لقد جئنا إلى الدنيا لنصل إلى مرتبة خلافة الله من خلال استلام الأسماء والصفات الإلهية.[2] إنّ البعد الإنساني لوجودنا أو روحنا يمتلك بشكل متأصل جميع الأسماء والصفات الإلهية، ولكن يجب أن نواجه مشاكل وتناقضات الدنيا لكي تصبح الأسماء والصفات الإلهية حقيقة داخلنا. بمعنى آخر، لتفعيل الأسماء الإلهية في داخلنا يجب علينا أن نخوض في مواجهة صعوبات و اختبارات الحياة في نادي الدنيا. على سبيل المثال، يمكننا أن نصبح رحماء، صابرين، غافرين، شاكرين، متواضعين، كريمين، إلخ. إذن فالمقياس الحقيقي لثروتنا وممتلكاتنا هو عدد الأسماء التي كسبناها خلال حياتنا ومدى تشبّهنا بالله.

هذا يعني أن نادي الدنيا يهدف إلى أن نصل إلى النمو الروحي والقوة الحقيقية لأنفسنا، التي هي خلافة الله، و لا يتحقق ذلك  إلا من من خلال مواجهة اختبارات وصعوبات الحياة واكتساب الأسماء الإلهية. بعبارة أخرى، يمكننا القول أن الدنيا هي نادٍ لتأهيل الإنسان. والآن، قد يطرح علينا سؤال حول من يكون مدربنا في هذا النادي؟

من هو مدربنا في نادي الدنيا؟

لا شك أنه يوجد مدرب لكل نادٍ. أحد أسماء الله هي “الرب”، والرب يعني المربي والمعلم، ويحدد هذا الاسم مهمة مدربنا في نادي الدنيا .الله هو مدربنا في نادي الدنيا، فهو يضع تحديات وتمارين لنمو وتطور كل شخص بناءً على إحداثياته وظروف حياته.

إن هدف الأعضاء المشتركة في النادي الرياضي هو التشبّه بالمدرب واكتساب قدراته، ولتحقيق ذلك يطيع الأعضاء جميع تعليمات المدرب الذي يخطط لأدق تفاصيل تمارين الأعضاء. إذا سجلت في نادٍ رياضي ولم يوصيك المدرب باتباع نظام غذائي خاص أو لم يطلب منك أن تمارس تمارين أكثر من قدرتك، ماذا ستفعل؟ إذا اختار المدرب خصمًا ذا مستوى أقل بكثير من مستواك في التدريب القتالي أو قاتل بلطف معك، ماذا ستفكر؟ إذا كان قرارك وهدفك هو الوصول إلى مستويات رياضية عالية، فلن تصل إلى هذا الهدف مع هذا المدرب بالتأكيد، لأن التمارين الشاقة والمباريات الجادة هي التي تساهم في تحقيق التشبّه مع المدرب و  الوصول إلى البطولة في النهاية.

الهدف في نادي الدنيا هو أيضا التشبّه مع المدرب، وكما يقوم الأعضاء في نادي الرياضة إطاعة أوامر مدربهم، يجب علينا  أيضا أن نستمع إلى مدربنا ونطيع تعليماته لكسب القدرات اللازمة والتشبّه به، وإذا لم ننفّذ تعليمات المدرب و لم نطعه في جميع الخيارات والعلاقات والأفكار والأفعال فلن نصل أبدا الى التشبّه المطلوب أبدا، إذ أن هذه هي الطريقة الوحيدة التي يمكننا من خلالها أن نصل إلى الهدف و النجاح.

لذلك فإن جميع التحديات التي نواجهها في حياتنا هي تدريب لكسب التشبّه مع المدرب وصفاته، مثل التحديات والتمارين والمباريات التي يعدّها المربي الرياضي لأعضاء فريقه، لأنه بطبيعة الحال من غير الممكن الوصول إلى البطولة دون تنفيذ تلك التمارين الشاقة.

إنّ كل من الامتحانات والابتلاءات في الحياة، منها كون الإنسان غنيًا أو فقيرًا، صحيًا أو مريضًا، رئيسًا أو مرؤوسًا، متزوجًا أو عازبًا، ذا مالٍ و ولدٍ أم لا، جميع ذلك يوفر فرص النمو لنا. ولكن من جهة أخرى فإن نموّنا و تطورنا الإنساني يعتمد بالكامل على مدى طاعتنا لمدربنا وطريقة التعامل مع ذلك. قد يخطئ شخص ما في التعامل مع الثروة وقد يصل شخص آخر إلى منصب الخلافة الإلهية على الرغم من فقره. المهم هو أن نكون مطيعين لمدربنا بغض النظر عن حالتنا و موقعنا في الدنيا.

الهدوء والنشاط، نتيجة الاعتقاد بكون الدنيا نادياً

إذن فإن كل من يقبل بأن الدنيا هي نادٍ سوف يكسب صبراً على تحمل الصعاب والمشاكل التي تواجهه في الحياة ولا يفقد هدوءه وسعادته الداخلية في أي ظرف كان. هذا لأنه ينظر إلى كل هذه التحديات كتمارين تجعله أقوى وأكثر شبهًا بالله تعالى، تمامًا كما نسجل في نادي الرياضة بحماس ونتحمل بصبر جميع التمارين الصعبة التي يقدمها المدرب لكي نصبح ماهرين و نشبه مدربونا. والمثير للاهتمام هو أننا نتحمل الصعاب و نقوم بدفع تكاليف للذهاب إلى النادي: لأننا نؤمن بأن هذه التمارين الصعبة هي لصالحنا.

وبالمقابل، فإن الشخص الذي لا يعرف حقيقة إنسانيته، لا يدرك أن الدنيا نادٍ  ولا يعرف أن الله هو مدربه، ولا يقوم بتحمل المشاكل التي يواجهها في الحياة بصبر وتحمل و يصاب بالقلق والحزن والإكتئاب والكراهية والغضب بمجرد مواجهة مرتفعات ومنخفضات الحياة. فتراه على سبيل المثال يضطرب في حالات الكوارث أو المشاكل مثل فقدان الأحباء، أو الإفلاس المالي، والأمراض الشديدة، لأنه لا يجد دافعًا مقنعًا لتحمل هذه الصعوبات ويعتبرها مخلّةً لراحته، شيء مشابه لظروف الجنين الذي يعتبر نمو أعضائه وأطراف جسده المؤلمة والمحبطة غير ضرورية لحياته في رحم الأم، لأنه لم يؤمن بالعالم خارج رحم الأم.

بدأنا في هذه المقالة، بالحديث عن الجانب الإنساني أو الروحي الذي هو الوحيد من بين أبعادها الوجودية التي يتمتع باللانهائية، وأشرنا إلى أن الدنيا قد خُلقت كنادٍ لتطور وتكوين أرواحنا، وأن الله هو مدربنا فيها، ويختبر ويدرب كل منا وفقًا لظروف حياته وخصائصه. وفي هذا النادي نتعرض لصعاب وامتحانات إلهية نتعلم من خلالها صفات الله وأسماءه، ونصبح مثل مدربنا الإلهي، أي الله، شرط أن نتبع تعليماته ونخضع له. وعند ذلك فلن يمكن لأي من الصعاب والمحن التي نواجهها أن تسلب منا سعادتنا وسلامنا الداخلي، لأننا نعرف أن كل هذه الصعاب هي وسيلة لتطورنا في بيئة رحم الدنيا.

ما رأيك في فكرة كون الدنيا ناديًا؟ وما هي تجربتك من التدريبات في هذا النادي؟ نحن متشوقون لسماع آرائك عن هذا الموضوع.

[1] .نهج البلاغة : الحكمة ۱۳۳ ، خصائص الأئمّة عليهم السلام : ص ۱۰۳

[2] «إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً…» سورة البقرة، الآية 30

اكتب رأيك