كيف يحدث الأسر في جحيم النفس وما هو الطريق للخروج منه؟
إننا في قلب الجحيم!
لا تتعجب، ينبغي معرفة أن الصراط ممرّ داخل الجحيم، وليس فوقها كما نتخيل. وكما درسنا في الدروس السابقة، فإن صراط كل واحد منا يكمن في أنفسنا. إن نار الجحيم قادرة على أن تحرق قلوبنا وتهلكها حتى في هذه الدنيا، ولكن الأمر الأكثر بشاعة هو أن معظمنا بدل أن يهرب من هذه النار نحو الجنة و تحقيق السعادة و السلام الأبديين، أسير في جحيمه الخاص دون أن يشعر به. ولكن هل هناك طريقة لرؤية هذه النار و التعرف عليها؟
نحن اليوم في عصرٍ متطورٍ جداً، حيث أصبح بفضل التطور التكنولوجي وتوفر الأجهزة مثل الأشعة السينية، والرنين المغناطيسي، وجهاز السونار، بإمكاننا رؤية داخل جسم الإنسان. ومن بين أروع المناظر التي جعلت علم الطب والتشخيص أكثر إثارةً، هي رؤية الجنين في رحم الأم. فموجات السونار التي تتشكل من الصوت، تصطدم بجسم الجنين وتعود للجهاز مكملةً صورةً دقيقةً لأجزائه. وعلى الرغم من عدم وعي الجنين بالعالم الخارجي الذي هو فيه، فإننا قادرون على قياس حجم وأبعاد كل جزء داخلي من جسمه بدقة لا مثيل لها. وحتى إذا رأينا عيوبًا أو مشاكل، يمكننا التدخل لحلها. ولكن السؤال المحوري هو: هل لدينا أداةٌ مماثلة لفحص سلامة الروح؟ هل هناك شيء يمكن أن يطمئننا بشأن ذلك كما يطمئننا السونار سلامة أجسامنا، أو التحاليل الدموية بوجود الأمراض؟ نحن بحاجةٍ ملحةٍ إلى معرفة كيفية تفاعلنا مع المشاكل والتحديات. ويجب علينا أن نعرف عندما نصبح أسراء في جحيمنا الخاص، وما يجري في أعماقنا، وما هي حالتنا النفسية.
مرايا لإظهار حقيقة نفوسنا
رغم عجز العلم التجريبي عن فهم الظواهر غير المادية وتفسيرها، إلا أننا نحمل بطبيعتنا نظامًا يمكِّننا من قياس روحنا بانتظام والتعرف على صحتها أو مشاكلها وأمراضها. هذه الأدوات هي كالمرايا في قلوبنا، موجودة وتتجلى بشكل دائم من خلال الشعور بالسعادة والهدوء. من أهم هذه العلامات هي مرض القلب و الأحاسيس السلبية مثل الحزن والغضب والقلق والحسد والانفعالات السريعة والعصبية والتعصب والكبرياء والحقد وغيرها. إنها مشاعر نقبلها غالبًا كجزء من شخصيتنا، ولا يوجد لدينا خطة لمواجهتها أو الهروب منها، بل قد نفتخر بوجود هذه الصفات.
تعد عبارات مثل “أنا أنزعج بسرعة جدًا”، “أنا ذو مزاج سيء”، “أنا مغرور جدًا”، “لا أستطيع أن أسامح الآخرين بسهولة”، “نحن عائلة نحب الأكل”، وغيرها، عبارات مألوفة نستخدمها لوصف شخصياتنا غافلین غالبًا عن أن كل من هذه العبارات تحمل سماتٍ من نار جهنم تنمو داخلنا. النقطة هنا هي أننا في كثير من الأحيان تتغير طباعنا نتيجة تناول طعام الجحيم، مما يجعلنا نفقد القدرة على فهم هذه المشاعر السلبية المتبادلة بشكل صحيح. بل ونصل إلى درجة عدم الإدراك بالمعاناة التي سنعيشها في جهنم نتيجة هذه المشاعر السلبية، بل و حتى نستمتع بالبقاء فيها. وهكذا عندما تنتقل روحنا إلى البرزخ فعندها يكون الأوان قد فات ولن تكون هناك فرصة للتغيير و الصيرورة.
إن روحنا قادرة إما على أن تحتضن الجنة بأبعادها الواسعة أو تُحاصَر في أسر الجحيم، فهي تتميز بقدرتها على التوسع والانكماش على حسب الحالة. النفس التي تتمتع بهذه الخاصية تُعتبر معيارًا فريدًا لقربها من الله، فقلوبنا تشبه المرايا التي تعكس كل تفاصيل أفعالنا وأفكارنا في الماضي والحال بوضوح وتكشف الوجه الحقيقي لروحنا. إنها كالمرآة التي قد تؤثر عليها أدنى آثار الغبار وتقلل من قيمتها تمامًا.
الابتعاد عن الجحيم
إن أول خطوة لمغادرة الجحيم هي بالشعور بالاشمئزاز منه ومن مظاهره. و بما أننا على اتصال دائم مع الآخرين، فإننا في خطر مستمر من الانجراف نحو الجحيم. لذلك يجب أن نرى أنفسنا دائمًا حاضرين في مرحلة من المنافسة أو الامتحان، وألا ندخل في علاقات مع الآخرين ونحن مطمئنون من أنفسنا. ما دمنا لم نتعلم التغافل والتجاهل للجوانب الدنيا من وجودنا، فإننا لن نزيد إلا من مقدار الجحيم في أنفسنا. جحيم لا يمكن إطفاؤه بسهولة.
يتطلب التخلص من الأسر في الجحيم مجهودًا وتدريبًا شاقًا، وبطبيعة الحال هناك سقوط وفشل مع كل تمرين، لذا يجب علينا أن نستعد ونحاول من جديد، تمامًا كما يفعل الرياضيون الذين يسعون لسنوات من أجل تحقيق النجاح الأولمبي.
أحد أفضل وأسرع السُبُل للابتعاد عن الجحيم وكبت الأمراض الروحية هو ذكر الله. إن الشخص المُسَلَّح بذِكْرِ الله، لا يرى شيئًا أكثر قيمة من العلاقة مع الله، ولا يسمح لأي فكرة أو علاقة أو اختيار بالتدخل أو التأثير على هذه العلاقة. فالله بالنسبة له هو نعم الوكيل الذي يُفوِّض إليه كل أموره ولا يلجأ إلى الآخرين بطريقة قد تضر بهذه العلاقة. في الحقيقة، فإن لشخص مثل هذا هدفًا واحدًا في جميع أعماله وهو مرضاة الله، وبالتالي لا يتوقع شيئًا من الآخرين في علاقاته، ولا يمكن للآخرين أن يثيروا الجحيم بداخله.
الأنس مع الجحيم
ليس الأسر في الجحيم أمرًا سهلاً، ولكن ينبغي لنا أن لا ننسى أننا جميعًا رهناء أعمالنا وماضینا. من يرفض الاقتراب من الله ولا يسعى لتحقيق هذا الهدف في حياته، سيغوص في الكفر والشرك. صفتان تؤديان حتى بأدنى مظاهرهما إلى حبط جميع الأعمال. یصل هذا الشخص إلى درجة من النقص والمرض حتى أنه لا تؤثر فيه حتى شفاعة الأئمة الطاهرين عليهم السلام، لأنه قد ابتعد عن هؤلاء الذين يمثلون النموذج الكامل للإنسان وصفات الله، ولا يكون على استعداد للتقرب منهم بثمن نجاته من النار. من جلب الجحيم أثناء حياته وأشعل النيران في قلبه، فلن يجد طريقة لتبريدها أو إخمادها في الآخرة. لذا، فإن كل أعماله وإنجازاته تصبح خالية من القيمة والوزن إلا إذا عاد قلبه نقيًا من أي مظهر من مظاهر الشرك والكفر، وكان في حالة سلامة تامة أثناء حياته في الدنيا.
أدركنا في هذا الدرس، أن بعض المشاعر قد تؤدي إلى الأسر في الجحيم، وما لم نتعرف على هذا الجحيم، فلن يمكننا النجاة منه. إن قلوبنا کالمرايا التي تعكس لنا هذه النيران، ولكن تكمن الخطوة الأولى نحو الخروج منها و هي کراهيتها و الاشمئزاز من جميع مظاهرها المغرية. يتطلب تشخيص الأسر في الجحيم التدريب والممارسة، ولكن ذكر الله يمكن أن يكون السلاح الفعّال الذي يساعدنا في التغلب على هذه الحالة المظلمة بأكملها. في الحقيقة، لا بد أن يكون الشرط الأساسي للخروج من جحيم النفس هو الابتعاد عن الأنس مع الجحيم في الحياة الدنيا، والحرص على عدم تلويث أرواحنا بالكفر والشرك.
ما هي مدى قدرتكم على التعرف على الأسر في جحيم النفس؟ هل كنتم تدركون مسبقاً أهمية فهم مظاهر هذا الجحيم؟ نحن ننتظر تعليقاتكم القيّمة حول هذا الموضوع بفارغ الصبر.